كشف تقرير حديث عن تفاصيل فضيحة فساد كبرى لنظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أكد أن شركات التأمين استولت على نحو 50 مليار دولار من برنامج الرعاية بسبب أمراض لم يعالجها أي طبيب.
وأوضح التقرير أن شركات التأمين الخاصة المشاركة في برنامج Medicare Advantage الحكومي، أجرت مئات الآلاف من حالات التشخيص المشكوك فيها، والتي أدت إلى دفعات إضافية ممولة من دافعي الضرائب من عام 2018 إلى عام 2021، وفقاً لتحليل وول ستريت جورنال، لمليارات من سجلات الرعاية الصحية.
وأظهر التحليل أن التشخيصات المشكوك فيها شملت بعض الأمراض القاتلة المحتملة، مثل الإيدز، والتي لم يتلق المرضى أي رعاية لاحقة لها، وفي كثير من الأحيان، لم يكن لدى المرضى، ولا أطبائهم أي فكرة عن الموضوع.
وتشير الصحيفة إلى أن نظام Medicare Advantage، الذي تبلغ كلفته 450 مليار دولار سنوياً، والذي تشرف على مميزاته شركات التأمين الخاصة، من فكرة مفادها أن القطاع الخاص يمكنه توفير الرعاية الصحية بشكل أكثر اقتصادية. وقد تضخم على مدى العقدين الماضيين لتغطية أكثر من 67 مليون شخص من كبار السّن، والمعوقين.
وقال باحثون وبعض المسؤولين الحكوميين إن نظام «ميدكير» أضاف عشرات المليارات من الدولارات من التكاليف، بدلاً من توفير أموال دافعي الضرائب.
وأوضحوا أن أحد الأسباب يتمثل في قدرة شركات التأمين على إضافة تشخيص حالة إلى التشخيص الذي يقدمه أطباء المرضى أنفسهم. وقد أعطى Medicare شركات التأمين هذا الخيار حتى تتمكن من اكتشاف الحالات التي أهمل الأطباء تسجيلها. ومع ذلك، وجد تحليل أن العديد من التشخيصات تمت إضافتها، والتي لم يتلق المرضى أي علاج لها، أو التي تناقض آراء أطبائهم.
وتقوم شركات التأمين بتشخيصات جديدة بعد مراجعة السجلات الطبية، وفي بعض الأحيان باستخدام الذكاء الاصطناعي، أو إرسال الممرضات لزيارة المرضى في منازلهم. كما تدفع للأطباء مقابل الوصول إلى سجلات المرضى، وتكافئ المرضى الذين يوافقون على الزيارات المنزلية ببطاقات هدايا ومزايا مالية أخرى.
ووجد التقرير أن بعض التشخيصات التي ادعتها شركات التأمين كانت زائفة بشكل واضح، لأن الحالات كانت قد شُفيت بالفعل. وقد تم تشخيص أكثر من 66000 شخص من مرضى برنامج الرعاية الصحية بإعتام عدسة العين السكّري، على الرغم من أنهم خضعوا بالفعل لجراحة عدسة العين التالفة، بإدخال بلاستيكي.
وقال الدكتور هوجان نوكس، أخصائي العيون في جامعة ألاباما في برمنغهام: «إنه أمر مستحيل تشريحياً. فبمجرد إزالة العدسة، لا يعود إعتام عدسة العين أبداً». ولم يتلق 36 ألف مريض آخرين مصابين بإعتام عدسة العين السكري أي خدمات طبية، أو أدوية موصوفة تتعلق بمرض السكري.
وأظهرت البيانات أن نحو 18 ألف مستفيد من برنامج Medicare Advantage تم تشخيصهم من قبل شركات التأمين بفيروس نقص المناعة البشرية، وهو الفيروس المسبب للإيدز، لكنهم لم يتلقوا علاجاً من الأطباء، بين عامي 2018 و2021. وفي كل تشخيص لفيروس نقص المناعة البشرية يتم ضخ نحو 3000 دولار سنوياً على شكل مدفوعات إضافية لشركات التأمين.
ووجد التقرير أن أقل من 17% من المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بفيروس نقص المناعة من قبل شركات التأمين كانوا يتناولون الأدوية الخاصة.
وقالت جينيفر كيتس، مديرة سياسة فيروس نقص المناعة البشرية في مؤسسة «كيه إف إف»، وهي مؤسسة بحثية صحية غير ربحية: «يبدو أن كل هؤلاء الأشخاص تقريباً، لا يعانون فيروس نقص المناعة، وإذا كانوا مصابين، فإن هذا سيكون بمثابة رعاية دون المستوى على مستوى شديد الخطورة».
وقد أثارت بعض تشخيصات شركات التأمين ذهول المرضى، ففي العام الماضي، تم تشخيص حالة هارييت سيسكين، وهي عاملة خدمة عملاء متقاعدة، بانسداد الشرايين في ساقيها من قبل طبيب زار منزلها نيابة عن شركة التأمين، ما يعني زيادة علاجية إضافية بنحو 2300 دولار سنوياً. وقالت سيسكين، إن طبيبها المعتاد أمرها بإجراء فحص كامل وقد أثبت سلبية تشخيص شركة التأمين.
كما روت لي، وهي محاسبة متقاعدة تبلغ من العمر 70 عاماً، من بوسطن، أن ممرضة شركة التأمين زارتها بعد إلحاح، ثم استغرقت نحو 20 دقيقة، لتقول لها إنها مصابة بإعتام عدسة العين السكّري، ما اتضح لاحقاً عدم صحته.
ورغم أن إعتام عدسة العين شائع للغاية بين كبار السن، لكن نادراً ما يشخص الأطباء إعتام عدسة العين الناجم عن مرض السكّري، لانه عادة ما يكون من غير الممكن تحديد السبب، وفي كل الأحوال، يكون العلاج هو نفسه. أما بالنسبة إلى شركات التأمين التابعة لبرنامج Medicare Advantage، فإن الفارق الكبير بيّن، حيث تدفع الحكومة فقط مبالغ إضافية، مقابل إعتام عدسة العين لدى مرضى السكّري.
ويكشف الدكتور ستيفن ماكونيل، طبيب العيون في جورجيا، أنه على مدى أربع سنوات، أضافت شركات التأمين تشخيصات إعتام عدسة العين السكري إلى 112 مريضاً لديه، وقال إنه لم يكن لديه أي فكرة عما كان يحدث حتى علم بالأمر من الصحيفة معلقاً: «هذا أمر لا يصدق».
وقد عالج الدكتور خافيير بيريز، وهو جراح عيون مقيم في أورلاندو، بولاية فلوريدا، مئات المرضى الذين زعمت شركات التأمين أنهم مصابون بإعتام عدسة العين السكّري، وفقاً لبيانات برنامج الرعاية الطبية. وفي المتوسط، كانوا في نفس عمر مرضاه المسنين المصابين بإعتام عدسة العين، أي نحوالي 72 عاماً.
والمثير أنه قد لا يعرف العديد من المرضى أبداً، أنهم تعرضوا لتشخيص خاطئ من قبل شركات التأمين الخاصة بهم، وغالباً ما لا يعرف الأطباء متى أضافت شركات التأمين تشخيصات لمرضاهم.
وفي بعض الأحيان، لم تقم شركات التأمين بإزالة التشخيصات القديمة. ووجد تحليل البيانات أنه بين عامي 2018 و2021، أكمل ما يقرب من 50000 مريض دورة من الأدوية عالية الكلفة التي تعالج التهاب الكبد الوبائي سي، وبعد ذلك أبلغت شركات التأمين برنامج الرعاية الطبية أن أكثر من نصف المرضى الذين تلقوا العلاج ما زالوا يعانون المرض، ما أدى إلى مدفوعات إضافية قيمتها ملايين الدولارات.
وقال دوغلاس ديتريتش، مدير معهد طب الكبد في ماونت سيناي الصحي، بنيويورك: «إنهم مخطئون تماماً. الأدلة الحقيقية تشير إلى معدل شفاء بنسبة 99٪».